في إحدى حلقات بودكاست رؤية القادم – ترقبوا إصداره الوشيك! – نسلط الضوء أنا ومريم الدباغ على الشركات الصغيرة وريادتها في مجال سياسات العمل النسوية وممارسات الموارد البشرية المعنية بالعاملين. تطرقنا في الحلقة إلى مختلف التفاصيل التي تجعل من سياسات الموارد البشرية أكثر "نسوية"، ومن المستفيد منها – والتي سنعلم سويًا أنها مفيدة للجميع – وكيف يمكن للشركة أن تجد نفسها في موقف يُمكّنها من دمج هذه السياسات مع ثقافتها الخاصة.
وهنا يمكننا الجزم بأن الشركات الصغيرة قد تمتاز بنوعٍ من الحرية تمكّنها من تنفيذ التغييرات بشكل أسهل وأسرع، وذلك لأفقية هيكلها التنظيمي وخلوها من البيروقراطيات المؤسسية، مما يتيح لها فرصة مواكبة احتياجات موظفيها والسوق دون اتخاذ إجراءات معقدة أو تعطيل لعملية صنع القرار.
جوهر سياسات العمل النسوية هو تحقيق المساواة بين الجنسين، فهي تهدف إلى إزالة العوائق التي تقف في طريق تقدم النساء في مسيرتهن المهنية وخلق بيئة عمل شاملة يحصل فيها الجميع على فرص متساوية، وعادةً ما تدافع هذه السياسات عن أمور مثل المساواة في الأجور والإجازة الوالدية وساعات العمل المرنة.
وفي حوارنا حول أهمية الإجازة الوالدية، تطرقنا إلى إجازة الأمومة وإجازة الأبوة، والتي بدورها تُظهر أهمية تمكين الوالدين من الحصول على الوقت والمساحة المطلوبة لاستقبال طفل جديد، كما تحدثنا عن إجازة الإجهاض، أو كما أحب أن أسميها، إجازة فقد الحمل.
رغم كونها تجربة مؤلمة وعميقة بالنسبة للكثير، إلا أننا لا نتحدث بشكل كافي عنها. ربما لم أمرّ بها بنفسي، لكنني رأيت كيف أثرت على أحبائي ممن مروا بتلك التجربة المؤلمة، كما أن عدد المقربات مني ممن تعرضوا للإجهاض زرعت فيّ الخوف الشديد من أن يحدث هذا الأمر معي، حتى وإن كان هذا الخوف غير مبرر، إلا أنه يبقيني مستيقظةً طوال الليل. لقد رأيت العديد من النساء يقعن ضحيةً لهذه التجربة المؤلمة، مما جعلني أدرك مدى هشاشة الحياة وكيف يمكن لفقد الحمل أن يؤثر علينا عاطفيًا.
إنه تذكيرٌ واضح بالتحديات والشكوك التي قد يواجهها الكثير من النساء (والرجال) في طريقهم نحو الأمومة والأبوة.
ولهذا السبب أؤمن بضرورة وجود سياسات نسوية حقيقية لتشريع بنود إجازة فقد الحمل، ومن خلال هذه المدونة، نستعرض المعايير الحالية والأسباب التي تجعلنا في حاجة إلى هذا النوع الخاص من الإجازات المدفوعة.
آليات الإبلاغ عن حالات الإجهاض حول العالم معقدة، ولكن على الرغم من التفاوتات في المسميات والعوائق الثقافية التي تعرقل تلك الإحصائيات، إلا أن الإحصائيات المتاحة تظهر أن حوالي 10-20% من حالات الحمل المعروفة عالميًا تنتهي بالإجهاض، وتُوصِم المجتمعات كل من يتحدث بشكل علني عن فقد الحمل، مما يضع الأفراد في عزلةٍ صامتة طوال هذه الرحلة، خاصةً في مكان العمل.
إجازة فقد الحمل تعد نوعًا خاصًا من الإجازات، حيث تمزج بين إجازة الأمومة وإجازة الحداد؛ فالأولى تُؤخذ عند ولادة الطفل، والثانية عند فقد شخص ذو صلة قرابة، أما إجازة فقد الحمل تأخذ بعين الاعتبار الإجهاض كحادث ذو طبيعة مختلفة ومغايرة يحتاج إلى إجازة مخصصة للتعافي تختلف عن الإجازة المرضية، وتركز على توفير الدعم والتعاطف اللازم لكل من يمرون بتلك التجربة.
هذه الإجازة بطابعها الخاص لا توفر فقط المساحة اللازمة للتعافي وإنما هي تضامن وتعاطف مع تلك التجربة المؤلمة التي تمر بها العائلات.
إذًا، ما هي القوانين المتوفرة الآن؟
يغطي قانون العمل في دولة الإمارات إجازة الأمومة والأبوة المدفوعة، بالإضافة إلى إجازة الأمومة الممتدة بسبب مضاعفات الحمل والولادة أو مرض الأم أو الطفل بعد الولادة، ومع ذلك، يبدو أن القانون لا يتناول حالات الإجهاض أو إجازة الأبوة الإضافية خارج الإجازة المعتادة للآباء التي يمكن أخذها في الأشهر الستة الأولى من ولادة الطفل. حتى يومنا هذا هناك ثلاث دول فقط لديها تشريعات تتناول حالات الإجهاض بشكل خاص، وهي نيوزيلندا، والهند، والفلبين.
يحق للموظفات في نيوزيلندا والهند الحصول على إجازة إجهاض مدفوعة مدتها ستة أسابيع، بينما تطبق الفلبين إجازة متساوية ومدفوعة لمدة شهرين للأمومة والإجهاض وإنهاء الحمل الطارئ، وعلى النقيض، فلا تملك الدول الأخرى سياسات صريحة حول إجازة الإجهاض، ما يترك القرار عادةً للحكومات أو سياسة كل شركة على حدة.
بصرف النظر عن سياسات الحكومات، لماذا ينبغي على الشركات تطبيق إجازة فقد الحمل؟ سؤال ممتاز...
بالنسبة للشركات، فإن توفير إجازة فقد الحمل له العديد من المزايا، فالتواجد بجوار الموظفين خلال تلك الأوقات الصعبة يرفع من الروح المعنوية ويزيد من ولاء الموظفين للشركة كما يجعل مكان العمل أكثر شمولًا وترحيبًا بالجميع على اختلاف ثقافاتهم.
وبالنسبة للأشخاص المهتمين بالنتائج المباشرة، فهي خطوة استراتيجية لتمييز مكان العمل واستقطاب أفضل المواهب، لأنكم بالفعل تلتزمون بأفضل الممارسات الإنسانية.
لكن صياغة السياسات الشاملة عملية تتطلب تخطيطًا دقيقًا واعتبارات متأنية، فمن الضروري وضع إرشادات واضحة تشمل الرجال والنساء بالتساوي، مع الاعتراف بالحِمل العاطفي والنفسي الذي يقع تحت وطأته الرجال عند فقد الحمل، علاوة على ذلك، من المهم تقديم تدريب شامل لمتخصصي الموارد البشرية لضمان التعامل مع الحالات بأقصى درجات السرية والحساسية.
تطبيق سياسات إجازة فقد الحمل من قبل الشركات هو مؤشر على فهمها للتعقيدات المرتبطة بهذه التجربة، وتظهر هذه السياسات التزاماً بالصحة النفسية والجسدية للموظفين خلال الأوقات الصعبة، مما يعكس القيم التي تؤمن بها الشركة، كما أن تبني مثل هذه السياسات يرسل رسالة قوية لكل الموظفين بأن مكان العمل يهتم بحياتهم الشخصية والعاطفية، وهو أمر ضروري لبناء ثقافة عمل إيجابية ومستدامة.
ومن الممكن أن تواجه الشركة معارضة لتطبيق إجازة فقد الحمل، خاصةً ممن يقلقون بشأن تعطيل سير العمل أو تكبد تكاليف إضافية، ومع ذلك، فهو من المهم تلبية احتياجات النساء أثناء تلك الفترة وإعطائهنّ وقتًا للشفاء والتعافي بعد الإجهاض، وكذلك، فإن الرجال بدورهم يحتاجون إلى وقت لتقديم الدعم والرعاية لزوجاتهم.
وتبقى المسألة الوحيدة هي كيفية تسجيل الشركة لهذا الغياب في نظام الموارد البشرية الخاص بها.
في النهاية، يمكننا اعتبار إجازة فقد الحمل، في جوهرها، جزءًا أساسيًا من تشكيل بيئات عمل داعمة وشاملة، فهي عنصر أساسي من سياسات العمل النسوية واسعة النطاق التي تُعنى بمكان العمل، ومن خلال إدراك التحديات المصاحبة لفقد الحمل، يمكن للشركات تعزيز بيئات يشعر فيها الجميع بالتقدير والاحترام والدعم.
آن الأوان للشركات أن تتبنى السياسات النسوية وتمهد الطريق لخلق بيئات عمل أكثر تعاطفًا وشمولًا.