هل سبق لك الشعور بالإرهاق الجسدي، النفسي، والعاطفي، إلى حدّ يسلبك رغبة التحرك أو فعل أي شيء يتطلب جرعة إضافية من الطاقة؟ قد تكون حالة الإرهاق هي السبب. الإرهاق هو ظاهرة شائعة جدًا في بيئات العمل السريعة. إنّ الاعتقاد بأن العالم سينهار لو أخذت استراحة قصيرة من العمل، هو حالة ذهنية لا تعكس الواقع، ومهمّتي اليوم أن أشرح لك لماذا يحدث الإرهاق وكيف يمكن التعافي منه لإيجاد الأمل في نهاية المطاف.
عندما تصل إلى مرحلة الإرهاق، قد تتذكر فجأة أيام الإجازة المتاحة لك، ولكنّ دوامة الضغوط والمهام اليومية تُشعرك بأنّك لا تستطيع حتى الجلوس لاختيار أسبوع مناسب لإجازة العمل.
لا يقتصر التأثير السلبي للإرهاق على الصحة والعافية – بل قد يكون سببًا يفسر الصداع والأرق الذي يصيبك – مما يؤثر على مستوى إنتاجيتك في العمل بشكل ملحوظ. لا أحد يرغب بالعمل مع زميل بائس ينجز الكثير ولكن بدون أيّ طاقة إيجابية.
كيف يحدث الإرهاق؟ يبدأ الأمر عندما تصبح مدمنًا على إثبات قدرتك على تحمل كافة الأعباء بمفردك، ويصبح العمل حتى ساعات متأخرة من الليل أمرًا طبيعيًّا. يتفاقم الإرهاق كلّما انغمست أكثر في نمط حياة ركيزته العمل فقط، عندما تعتقد أنك الوحيد القادر على إنجاز جميع مهامّك المتزايدة.
كيف تخرج من هذه الحالة إذًا؟ الخطوة الأولى لمكافحة الإرهاق هي تغيير عقليتك واعتماد عادات صحية أكثر في روتينك اليومي. إذا كنت تعمل من المنزل، حاول ألّا تبدأ يومك بتفقّد هاتفك أو متابعة وسائل التواصل الاجتماعي. انهض من السرير، وتناول إفطارك ببطء، واذهب في نزهة قصيرة لمدة 15 دقيقة لتستمتع بالهواء النقي والمناظر الطبيعية.
الخطوة التالية هي وضع الحدود. من الصعب جدًّا تعلّم هذه المهارة، لذا ستحتاج إلى بعض الوقت لإتقانها. وضع الحدود لا يقتصر فقط على قول كلمة "لا"؛ بل يشمل أيضًا تحديد ساعات عملك وطرق تواصل واضحة مع زملائك، وتفويض المهام، وطلب المساعدة لتقليل الحمل عليك، وحتى تحديد الوقت الذي تقضيه باستخدام التكنولوجيا. يمكن للجلوس أمام الشاشة لساعات طويلة أن يسبب الضرر للدماغ، العينين، الجسم، والصحة النفسية، فيجب عدم الاستهانة بالموضوع. كلّ هذه الخطوات البسيطة ستساعدك على منح الأولويّة لصحتك وعافيتك وعدم السماح للإرهاق بالتسلل إلى داخلك.
بمجرد أن تتحول عقليتك من الاعتقاد بأن واجبك أن تكون متاحًا دائمًا للعمل والعملاء والزملاء، إلى الاهتمام بنفسك أوّلًا، سترى قيمة هذا التغيير وتأثيره، ليس عليك فقط بل على كلّ من حولك.
الآن، نصل إلى نقطة هامة تتعلق بـ"الآخرين من حولك"، وهنا يأتي دور شبكة الدعم. ألقِ نظرة جيدة على من حولك وابحث عن الأشخاص الذين يهتمون بك حقًا ويسعدهم رؤيتك ناجحًا وعلى أفضل حال. ابحث عن الأشخاص الذين يمدّونك بالطاقة الإيجابية ويدعمونك عند الحاجة. ستلاحظ أن دائرتك الاجتماعية ستتضاءل تدريجيًا إلى أن يبقى الأشخاص الذين يشكّلون النظام الداعم المناسب لك، أولئك الذين يظهرون لك أفضل ما لديك، يتحدثون إليك مشجعين ومحفزين، ذاك الحديث الذي لم تكن تظن أنك تحتاج إليه.
بمجرد أن تبني دائرة مجتمعية متينة يمكنك أن تبدأ في عملية تنقية الطاقة والهالة التي حولك. هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تساعدك في تحقيق الاستقرار في الطاقة المحيطة بك وتطهير هالتك من التأثيرات السلبية التي تواجهها يوميًا. في الحقيقة، لا يمكن لأحد أن يشعر بالسعادة طوال الوقت، ولكن يمكنك أن تكون راضيًا، ممتنًا، وفي حالة من السكينة. فكّر بحالة السكينة التي ترغب في تحقيقها. أوّل وأبسط خطوة للوصول إليها هو الاتصال بالطبيعة، لذلك، اخرج إلى الهواء الطلق، اخلع حذاءك، وتلمّس بقدميك الحافيتين العشب أو الرمل أو الماء. اجلس على الأرض، والمسها بيديك، تنفس بعمق وازفر ببطء، استمتع باللحظة وأفرغ ذهنك. ركّز على الألوان من حولك، وعلى كيفية تنوع درجات لون البحر الأزرق، وعلى صوت الأمواج المتلاطمة على الصخور.
أغمض عينيك.
الخطوة التالية هي تعلّم التأمل. هناك الكثير من المصادر المتاحة على الإنترنت التي يمكنك الإطلاع عليها لتتعلم طريقة القيام بذلك، لكن من المهم أن تؤمن بهذه العملية لتتمكن من فصل عقلك عن كل الفوضى المحيطة بك. ركّز على الطريقة التي تتنفس بها وحدد المشاعر السلبية التي ترغب في إطلاقها أثناء التأمل. إضافةً إلى التأمل، هناك عملية تُسمى "التبخير"، وهي حرق المريمية وتمريرها حولك وحول مساحتك. يمكنك اتخاذ هذه الخطوة الإضافية بتمريرها حول منزلك لأنها تُطلق الطاقة الراكدة.
آخر خطوة وأهمّها هي تخصيص وقت لنفسك وممارسة التأكيدات الإيجابية. اجعل من العناية بالذات عادةً تنشط هرمونات السعادة في دماغك. سواءً كان ذلك بإمضاء الوقت مع أحد أحبابك، أو طلب السوشي ومشاهدة برنامجك المفضل على التلفاز، أو السباحة ليلًا، أو الاستماع إلى الموسيقى بصوت عالٍ أثناء القيادة، أو حتى الرسم، أو القراءة أو كتابة يومياتك، كلها أمثلة على كيفية تخصيص وقت لنفسك وإبعاد الإرهاق عنك.
مثلما يسهم تخصيص الوقت لنفسك في تعزيز ثقتك، تلعب التأكيدات الإيجابية أيضًا دورًا كبيرًا في ذلك، وسينعكس هذا على أدائك في العمل. عندما تكون واثقًا بنفسك، يتعزز تقديرك الذاتي وتزيد كفاءتك في العمل. وعندما تقدم أداءً أفضل، ستجد أنّ ثقتك تسمح لك بالمساومة على المهام الإضافية غير الملحة في قائمة مهامك، مما يمنحك الوقت لالتقاط أنفاسك. قد تبدو التأكيدات الإيجابية سخيفة للبعض، لكن الإيمان بها يساعد على نجاحها. أجل، ليس من السهل الإيمان بالتحدّث مع نفسك كلّما نظرت في المرآة، ولكن اقتناع عقلك يترسّخ مع كلّ تكرار. هذه الخطوات البسيطة تقوّي إحساسك بقيمتك الذاتية، ولا تنسَ أنّك أنت من يشكّل نقطة البداية. أنت تدين لنفسك بشعور الراحة والقيمة، ولا تدين بذلك لأي أحد آخر. في نهاية المطاف، يعود الأمر إليك أنت فقط.
لقد استعرضت معك بعض الطرق التي يمكنك من خلالها تجنب الإرهاق. الممارسة مفتاح الإتقان، حيث أنّ منع الإرهاق هو رحلة مستمرة تتطلّب جهدًا وتفانيًا لأجل تحقيق التوازن بين العمل والحياة وحب الذات. بمجرد أن تعرف كيف تحدد بداية مسارك نحو الإرهاق، ستصبح قادرًا على معرفة أين ومتى عليك التوقف وسحب نفسك منه. كل خطوة تقود إلى أخرى لذا تعلم أن تحتفل بنجاحاتك، مهما كانت صغيرة. وستدرك وقتها أهمية منح الأولوية لنفسك وتحقيق حالة السكينة التي نحتاجها جميعًا في حياتنا.