English
رؤى
عيش وخبز وملح وسكر
الأصالة في عالم الأعمال
مريم الدباغ
July 4, 2024
الأعمال
الإمارات
ريادة الفكر
عن رؤية

لم يكن من السهل علينا أبدًا أن نتخذ الخطوة الأولى في بناء شركةٍ متخصصة صغيرة في سوقٍ كبير ومخيف إلى حدٍ ما قبل عشرة أعوام. وعندما أفكر شخصيًا بالتحديات التي واجهتنا والتي لا زلنا نواجهها أميل إلى أن أجعل هذه المقالة سردية وقصصية عن بداياتنا وتحدياتنا ونجاحاتنا وإخفاقاتنا في محاولةٍ مني ربما لأسرد قصتنا بصفتنا أفرادًا من عائلة واحدة تحاول النجاح في سوق العمل دون التفريط بثقافتنا وأواصرنا الأسرية. 

ولكني وعدت محررة هذه المدونة أن ألتزم بموعد التسليم (الذي تأخرت أكثر من أسبوع عنه) وأن أكتب عن موضوع آداب العمل وأخلاقياته اليوم، وأترك رغبتي في سرد كل شيء إلى وقتٍ آخر، أو حلقة من حلقات البودكاست الذي سنطلقه قريبًا. 

بسم الله نبدأ. 

أتذكر ذاك الاجتماع في مدينة أبوظبي، وتحديدًا في ميناء زايد، عندما شرع شريكي في الشركة والحياة، عبدالرحمن سالم، إلى طلب كميات كبيرة من اللقيمات والتمور والشاي بأنواعه إلى موقع الاجتماع. كان الاجتماع يضم أكثر من ثلاثين شخصًا من عدة شركات للعمل على أحد أهم مشاريع الدولة آنذاك. لم تكن رؤية هي المستضيفة بل دُعيت مع باقي الشركات للقدوم والمشاركة في جلسة العصف الذهني، لكننا فضلنا، كما ألفنا في عهدنا السابق مع أهلنا وجيراننا والأصدقاء، ألّا ندخل تلك القاعة إلّا وفي أيدينا طبق أو اثنان. فوجئنا يومها بأن زميلتنا رنا حجازي كانت قد بادرت أيضًا من قرارة نفسها بتحضير صينية جميلة من المكسرات والفواكه المجففة لإحضارها إلى الاجتماع. 

 أذكر في ذلك اليوم ابتسامات فريق العمل الحكومي الذي لم يستغرب تلك البادرة لكنه قدّرها كثيرًا، وأذكر أيضًا تعجّب المستشار الأجنبي من صواني الطعام التي دخلت معنا، والتي حرصنا على أن نرتبّها على طاولة الاجتماع قبل الشروع في تقديم أنفسنا بصفتنا مستشارين أيضًا من دولة الإمارات. 

ومن هنا طرحنا هذا التساؤل عن بروتوكولات العمل، وأخلاقياته، وما إذا كنّا قد استطعنا بالفعل تأصيل آداب العمل لتعكس ثقافتنا الغنية وكرم ضيافتنا. وإن أردنا تعريف آداب العمل على أنها مجموعة قواعد وتوقعات غير مكتوبة (أو مكتوبة في المدونات الأجنبية) تحكم التفاعلات الاجتماعية في البيئة المهنية، فكيف يمكننا إعادة تعريف آداب العمل هنا لتتناسب مع ثقافة منطقتنا ودولتنا وتراثها؟ 

ما أهمية "العيش والخبز والملح والسكر" في عالم الأعمال؟ عندما أجريت بحثًا  في هذا المجال، وأعترف أن بحثي لم يتجاوز محركات البحث الإلكترونية، وجدت الكثير من النظريات الأجنبية التي تشجع على فهم السياق الثقافي الذي تتم فيه المشاريع واحترامه. على سبيل المثال، فإن نظرية الأبعاد الثقافية عند هوفستيد تُسلط الضوء على أهمية فهم قيم المكان ومعايير الثقافة في التواصل والعمل مع أفراد تلك الثقافة. وبالمثل، تؤكد نظرية الأبعاد الثقافية عند ترومبينارس على أهمية فهم طرق تعامل الثقافات المختلفة مع التواصل والعلاقات واتخاذ القرارات في بيئة العمل؛ إذ أن فهم هذه الاختلافات الثقافية يسمح لنا بتكييف ممارساتنا في التواصل والأعمال لتصبح أكثر فعالية في سياق ثقافي معين. 

وعلى الرغم من زخم هذه "النظريات" التي تتناول سطحيًا أهمية التأصيل الثقافي لكننا وبرأيي المتواضع لا زلنا نرتبك عند التفكير بكيفية مزج تقاليدنا الغنية بآداب العمل الباردة نوعًا ما. 

فعندما نبادر بكتابة الرسائل الإلكترونية نجد أنفسنا نترجم العبارة المملة ذاتها " نأمل أن تصلكم هذه الرسالة وأنتم بخير" بدلًا من الترحيب والتهليل وبدء الرسالة بالسلام والسؤال. 

ونجد أنفسنا أيضًا نسارع في بدء سير الاجتماع وأجندته دون بدء الحوار بكسرة خبز ورشفة قهوة تكسر معها رتابة اللقاء وتعقيدات جدول أعمال اليوم. وغالبًا ما يُصمم شكل الاجتماع هرميًا دون الرجوع إلى جوهر اجتماعاتنا وتراث حواراتنا وهو المساواة والشمولية كما تعوّد أسلافنا في مجالسهم العامرة. كما نتردد أحيانًا بالتعبير عن مشاعرنا أثناء الاجتماع حول مواضيعه أو أي مواضيع أخرى تشغل بالنا مثل السياسة والثقافة ورمضان وآخر ما قرأناه وكأننا نتنصّل ممّا يميّز ثقافتنا الشرقية وهي الإنسانية والعاطفة. 

وفي رؤية، نشجع فريق العمل لدينا على إعادة تعريف آداب العمل كل يوم، رغبةً منا وحاجة لدينا لتفكيك الهيمنة الثقافية الأخرى على ثقافة العمل هنا. فنحن وُلدنا ورُبّينا في دولة ومنطقة تحدّت الأعراف العالمية بنجاحٍ، جوهرها تراث غني وأصالة عميقة لا تتنازل عنها. ففي كل اجتماعاتنا نحرص على أن نكسر الخبز ونشرب الشاي اللذيذ ونسأل عن أحوالنا وأحوال أهلنا وجيراننا قبل الشروع في العمل. كما نراجع أنفسنا عندما نصف عملًا ما بأنه غير "بروفيشينال" إدراكًا منّا أن المهنية المقصودة قد تكون مخلّفات هيمنة ثقافية غريبة عنّا. كما نصرّ على أن نصدّر هذه الآداب لزملائنا وشركائنا من دولٍ أخرى، حتى وإن استغربوا في البداية تصرفاتنا، فنحن قومُ "تهادوا تحابوا" وإن تقاسمنا رغيف الخبز، تشاركنا معه احترام ومودة وإخلاص. 

في رؤية، لا نتردد أن نكون أنفسنا، ونفعل ذلك كل يومٍ بإصرار. 

تجدنا هناFind it in English

مريم الدباغ

تؤمن مريم بدور اللغة الفعال في خدمة الشعوب والتأثير الإيجابي في القطاعين الخاص و العام، كما تم نشر بحوثها حول هوية المهاجرين واللغة والسياسة في عدة مقالات.
يمكنك التواصل مع
مريم الدباغ
عن طريق
maryam@rpr.ae
شارك مشاركة المدونة هذه على